قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
خطبة الجمعة بعنوان التمسك بالكتاب والسنة
11694 مشاهدة
الحث على استغلال الأوقات الفاضلة وبيان فضل شهر الله المحرم

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا بلا إله إلا الله فإنها العروة الوثقى، واحذروا المعاصي، واحذروا المعاصي فإن أبدانكم على النار لا تقوى، وتواضعوا لله فإن من تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه، ومن زرع التقوى حمد عند حصادها ما زرعه.
واعلموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكرر علينا التمسك بسنته؛ فكان يقول في خطبته: إن أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وفي رواية: وكل ضلالة في النار .
واعلموا أنكم غدا بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم مجزيون، وعن أفعالكم محاسبون، وعلى تفريطكم وإهمالكم نادمون، وعلى رب العزة ستعرضون، واعلموا أن مآلكم لا في هذه الدار.. لأنها دار ممر، وأن الآخرة هي دار المقر، فتزودوا من ممركم لمقركم، وتأهبوا ليوم حسابكم، وعرضكم على ربكم يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ .
واعلموا أن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم، وسوف يتخطى غيركم إليكم، فخذوا حذركم واستعدوا للموت ولما بعد الموت، وذلك بإحياء السنة وبإماتة البدع، وبهجر المبتدعين الذين أفسدوا في دين الله ما ليس منه.
واغتنموا أوقات الفضل وأوقات الشرف؛ فإن منها هذا الشهر الكريم، ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم يعني هذا الشهر جعل الصيام فيه من أفضل الصيام؛ وذلك لفضله ولأنه أول السنة الهجرية، ولأنه آخر الأشهر الحرم، التي جعلها الله تعالى وسماها أشهرا في قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ فهذا هو آخرها وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجة وشهر المحرم، فمن حرمته ومن فضله أن الصيام فيه أفضل من غيره.
ثم إن من بين أيامه اليوم العاشر الذي صامه النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمر الناس بصيامه؛ وذلك لأنه لما قدم المدينة في السنة الأولى من الهجرة، وجاءت السنة الثانية وإذا اليهود يستعدون لصيام هذا اليوم العاشر من شهر محرم فسألهم فقالوا: إنه يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فيه فرعون وقومه، فصامه موسى -عليه السلام- فنحن نصومه فقال -صلى الله عليه وسلم-: نحن أحق بموسى منهم فصامه وأمر بصيامه .
هكذا جاءت السنة في صيام أو في فضل صيام هذا اليوم -اليوم العاشر من هذا الشهر- وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي قتادة أنه قال: صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله يعني أن يكفر الذنوب الصغائر في سنة ماضية، وذلك فضل كبير.
ثم في آخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قيل له: إن اليهود يصومونه. فأراد أن يخالفهم قال: لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع أي لأصومن اليوم التاسع إضافة إلى العاشر، فلذلك يشرع أن يتفرد المسلم بصيام هذين اليومين، اليوم التاسع واليوم العاشر، ويوافق في هذا الشهر يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء القادم.
وقد روي أيضا أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: صوموا يوما قبله أو يوما بعده يعني من لم يتيسر له أن يصوم الثلاثة فيصوم الأربعاء ويصوم الخميس، ومن قوي على أن يصوم الثلاثة فله أجره وله الفضل، ليصوم ثلاثا من هذا الشهر يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس، فهذا ما جاء في هذا الشهر، أو ما جاء في فضل هذا اليوم.